بعض الأماكن ما إن تدخلها حتى تشعر أن لها روحًا مختلفة... الهواء أثقل، الضوء أهدأ، وكل تفصيلة تنبض بحكاية قديمة. "دار طنطورة" في قلب العلا ليس مجرد فندق، بل تجربة تعيد تعريف معنى الإقامة الفاخرة للرجال الذين يبحثون عن الأصالة قبل الترف، والهدوء قبل الحداثة. هنا، تمتزج الطين بالحجر، والتاريخ بالضوء، لتصنع لحظات لا تُنسى.
الفندق تم بناؤه داخل قرية طينية مهجورة حقيقية، دون محاولات للتجميل أو التحديث المفرط. المعمارية الشهيرة شهيرة فهمي اختارت أن تحافظ على روح المكان، فظلت الأبواب الخشبية الضخمة كما هي، والسجاد السميك يملأ الممرات، والشموع تضيء أكثر من 1800 زاوية مع حلول الليل. حتى لحظة الاستقبال لا تُشبه الفنادق المعتادة؛ بل قهوة عربية، وبخور، وتمر... تفاصيل صغيرة تصنع فرقًا كبيرًا.
كل غرفة في "دار طنطورة" لها شكلها الخاص، تفاصيلها الفريدة، وأجواؤها التي تنقلك عبر الزمن. الجدران من الطين، الأسقف من الخشب، والديكورات تضم كتبًا قديمة وأسطوانات فينيل. لا وجود لتكييفات، بل مراوح سقفية وحِيل تهوية تراثية فعالة. الضوء يأتي من الشموع، والسكينة تملأ المكان. في الليل، ومع صوت الرياح، تتحول الغرفة إلى عالم من السحر والهدوء.
المطعم الرئيسي "جونتوس" يقدم تجربة مختلفة، حيث الجلسات تحت النجوم والنار تحيط بالطاولات، والأطباق تُحضّر من مكونات مزروعة في الواحات المجاورة. الفلافل طريّة ودافئة، وزيتون مهروس لا يُنسى. في بعض الصباحات، تأتي امرأة لتحضّر الخبز الطازج أمامك. لا يُقدّم الكحول، لكن الكوكتيلات العشبية الفريدة ستكفيك وأكثر.
رغم شعور العزلة، يقع "دار طنطورة" بالقرب من حي الجديدة الفني، قلب العلا الثقافي. يمكن للزائر أن يتجوّل في المعارض، ويشرب القهوة السعودية، ثم ينطلق نحو "مدائن صالح" أو "صخرة الفيل". التجربة ليست في مكان ناءٍ، بل في قلب ينبض بالحياة، حيث يصبح النزيل جزءًا من الحي، لا مجرد سائح.
الطاقم حاضر دائمًا دون أن يفرض نفسه. يشعل الشموع عند الغروب، ويساعد عند الحاجة دون تكلّف. إن ضاعت حقيبتك، سيساعدونك في البحث وحتى شراء بدائل من المتاجر القريبة. كل شيء يتم ببساطة عبر "واتساب"، والخدمة تبدو حقيقية أكثر من كونها تعليمات محفوظة. فريق العمل هنا يهتم فعلاً، وهذا ما يجعل التجربة شخصية للغاية.