يقدّم الفنان الفلسطيني محمد جحا في معرضه Houselessness رؤية بصرية مختلفة لمعاناة غزة، مستخدماً أسلوب الكولاج ليحوّل الخامات البسيطة إلى سرد فني يعكس الألم والتمسك بالحياة في الوقت نفسه. لوحاته تأتي كدعوة للتأمل في معنى الوطن، وكيف يمكن للذاكرة أن تبقى صامدة حتى عندما ينهار كل ما حولها. المعرض يقدّم تجربة إنسانية عميقة بأسلوب قريب من القارئ العربي والخليجي، مع حس فني يلامس المشاعر دون مباشرة أو مبالغة.
يعتمد جحا على قصاصات القماش والورق وقطع من ملابسه الممزقة ليعيد من خلالها بناء مشاهد مستوحاة من شوارع غزة وبيوتها المهدمة. طريقة استخدامه لهذه الخامات تجعل كل لوحة أقرب إلى شاهد حي على ما مرّ به هو وأهله. الكولاج هنا ليس مجرد تقنية فنية، بل محاولة لترميم الذاكرة قطعة بعد قطعة. يشعر المشاهد أن كل خامة تحمل أثراً من قصة عاشها الفنان، مما يمنح الأعمال روحاً إنسانية واضحة وقريبة من القلب.
تتدرج اللوحات بين الرمادي القاتم الذي يعبّر عن دخان الحرب والسماء المثقلة بالدمار، وبين ألوان مشرقة تمنح مساحة صغيرة للأمل. هذا التوازن يعبّر عن صراع يومي يعيشه الفلسطيني: واقع ثقيل، ورغبة دائمة في البقاء. تظهر أيضاً تفاصيل صغيرة مثل النقوش والدانتيل كإشارة إلى حياة كانت مليئة بالجمال قبل أن تتهشم. بهذه الطريقة يخلق الفنان لوحة تحمل شعوراً مزدوجاً بين الحزن والتمسّك بالحياة، مما يمنح الزائر فرصة للتأمل بدلاً من مجرد المشاهدة.
يردد جحا في حديثه أن “البيت قد ينهار، لكن الوطن لا ينهار”. هذا المفهوم يظهر بوضوح في أعماله التي تصور بيوتاً مهدمة وأبواباً مكسورة، لكنه يعيد ترتيبها بطريقة تشبه إعادة بناء روح المكان. بالنسبة له، الوطن ليس جداراً ولا سقفاً، بل ذاكرة تتجذر في القلب ولا يمكن اقتلاعها. هذا التفسير يجعل المعرض أكثر قرباً من المشاهد، لأنه يكشف الجانب العاطفي العميق المرتبط بالهوية والانتماء، بعيداً عن الطرح المباشر أو السياسي.
الفنان لا يعرض الدمار كصورة حزينة فقط، بل كوثيقة تثبت محاولة محو المكان وتغيير ملامحه. في رأيه، ما يُهدم فوق الأرض يظل محفوظاً في الذاكرة، والفن أحد أهم وسائل تثبيت هذا الحضور. لذلك تأتي أعماله مليئة بالفراغات والانقطاعات والتمزقات، وكأنها تقول إن ما انكسر يمكن أن يظل له أثر. هذا الأسلوب يمنح الأعمال عمقاً إضافياً، حيث يفهم الزائر أن اللوحات لا تصور الماضي فقط، بل تدافع عن ذاكرته حتى لا تُمحى.
استضافة المعرض في Zawyeh Gallery بمنطقة السركال أفينيو تمنح هذه الأعمال مساحة للتواصل مع جمهور عربي واسع. وجود المعرض في دبي يعطي الفن الفلسطيني منصة قوية، ويجعل الزائر يعيش تجربة فنية وإنسانية تتجاوز حدود اللوحة. هنا لا يكتفي المتلقي بالمشاهدة، بل يشارك في فهم قصة شعب كامل، مما يجعل الزيارة أشبه بلقاء مباشر مع الذاكرة الفلسطينية. يستمر المعرض حتى 11 يناير 2026، وهو فرصة لمحبي الفن لاستكشاف سرد بصري مختلف ينبض بالحياة رغم الألم.