في عالم التصوير والسينما، لا يقتصر الإبداع على القصة أو الأداء فقط، بل يمتد إلى الزاوية التي تُروى منها الحكاية. اللقطة العلوية، أو ما يُعرف بـ Bird’s Eye View، تعد من أكثر الزوايا تأثيراً، إذ تمنح المشهد بعداً جديداً يكشف التفاصيل ويضفي عليه طابعاً درامياً فريداً. سواء في تصوير الأفلام أو الصور الفوتوغرافية، تبقى هذه الزاوية أداة قوية تتيح للمبدع أن يرى العالم من منظور السماء.
تُلتقط اللقطة العلوية عندما توضع الكاميرا مباشرة فوق الهدف، لتعرض المشهد من الأعلى بشكل عمودي. هذا الأسلوب يغيّر تماماً إحساس المشاهد بالمشهد، فيجعله يرى الأشخاص أو الأشياء بحجم أصغر، وكأنهم جزء من لوحة متقنة. كما تكشف هذه الزاوية أنماطاً هندسية وتفاصيل مكانية لا تُرى من مستوى العين، مما يجعلها أداة مثالية لخلق توازن بصري أو لتصوير مشاعر العزلة أو الضعف داخل القصة.
تساعد اللقطة العلوية في إظهار المشهد الكامل بعلاقاته ومساحاته، مما يمنح المتفرج فهماً أعمق للسياق. في أفلام الحرب، تُستخدم لتوضيح حجم المعارك وحركة الجيوش، بينما في الدراما النفسية قد تُظهر شخصاً وحيداً وسط عالم واسع، فتجسد إحساسه بالعجز أو الضياع. الارتفاع هنا لا يغيّر زاوية النظر فقط، بل يبدّل القوة بين الشخصية والمكان، ليخلق تأثيراً بصرياً ينعكس على مشاعر المشاهد.
يتطلب تنفيذ اللقطة العلوية تجهيزاً تقنياً دقيقاً. يعتمد المخرجون على الرافعات أو الطائرات المسيرة Drones لتصوير المشاهد من ارتفاعات مختلفة. ومع تطور التكنولوجيا، أصبحت هذه اللقطات أكثر سلاسة بفضل دقة التثبيت وسهولة التحكم في الحركة. في الأماكن المغلقة، قد تُركّب الكاميرا على ذراع متحركة أو على سقف المكان لإعطاء نفس التأثير. أحياناً تُدمج هذه اللقطات مع المؤثرات البصرية CGI لإضافة عمق وحركة غير ممكنة في الواقع.
عدد من كبار المخرجين استخدموا اللقطة العلوية لإضافة بعد نفسي وجمالي لأعمالهم. ألفريد هيتشكوك استخدمها في Vertigo لتعزيز التوتر والقلق، ومارتن سكورسيزي وظّفها في Goodfellas لإظهار الصراع بين السيطرة والفوضى. أما ويس أندرسون، فقد جعل منها بصمة فنية بفضل تناسق الألوان والتناظر البصري. وفي فيلم 1917 للمخرج سام ميندز، كانت اللقطات الجوية المفتوحة جزءاً أساسياً من تجربة المشاهد داخل أجواء الحرب.
في التصوير الفوتوغرافي، تمنح الزاوية العلوية للمصور فرصة لاكتشاف الجمال المخفي في التفاصيل اليومية. سواء في صور المدن أو الطبيعة أو حتى الطعام، تتحول العناصر العادية إلى تشكيلات هندسية جذابة. أسماء بارزة مثل Yann Arthus-Bertrand وEdward Burtynsky استخدمت هذا الأسلوب لتصوير مناظر طبيعية وصناعية مذهلة تكشف علاقة الإنسان بالأرض. إنها زاوية تجمع بين الفن والدقة، وتحوّل الفوضى إلى انسجام بصري يدهش العين.