بروس ديكنسون، المغني الرئيسي لفرقة "آيرون ميدن" الشهيرة، هو ليس مجرد نجم روك فقط، بل هو طيار محترف أيضاً. الجمع بين حياة الفن والحياة العملية كطيار جعل منه شخصية فريدة في عالم الموسيقى والطيران. في هذه المقالة، سنستعرض رحلة بروس ديكنسون من منصة الغناء إلى مقصورة الطيران، وكيف تمكن من المزج بين شغفه بالطيران وموهبته الموسيقية.
منذ سن الخامسة، أظهر بروس ديكنسون اهتماماً كبيراً بالطيران، حيث حضر أول عرض جوي له وبدأ حينها يتخيل نفسه في السماء. هذه التجربة الأولى شكلت بداية حلم استمر لسنوات حتى أصبح حقيقة. لم يكن هذا الشغف بالطيران مفاجئاً، خاصة وأن عائلته كانت مرتبطة بالطيران. والده كان يعمل كمهندس وعمه في القوات الجوية الملكية، مما أتاح له التعرف عن قرب على عالم الطيران منذ صغره. لكن التحول الفعلي حدث عندما قام ديكنسون بأول درس طيران في الثمانينيات خلال رحلة إلى فلوريدا، ومن هنا انطلقت رحلته نحو السماء. بحلول عام 1991، كان ديكنسون قد حصل على رخصة الطيران الخاصة به، مما فتح له أبواب عالم جديد مليء بالتحديات والفرص.
رغم انشغاله بمسيرته الموسيقية، لم يتخل بروس ديكنسون عن حلمه في الطيران. وبعد حصوله على رخصة الطيران التجارية، بدأ العمل كطيار في "بريتيش وورلد إيرلاينز". في هذه الفترة، جمع بين العمل كطيار وبين حياته الفنية، حيث كان يسافر حول العالم كطيار ثم يعود ليصعد إلى المسرح كفنان. في وقت لاحق، تولى دور كابتن في "أسترايوس إيرلاينز"، وهي شركة طيران بريطانية. لم يقتصر دوره على الطيران فقط، بل أصبح مديراً للتسويق في الشركة، حيث ساهم في تطوير حملات تسويقية مميزة، كما شارك في إنتاج مقاطع فيديو ترويجية لحملات السلامة الخاصة بالطيران. هذا الدور المزدوج أتاح له فرصة دمج حبه للطيران مع مهاراته الإبداعية في الموسيقى والإنتاج.
بعد أن توقفت "أسترايوس إيرلاينز" عن العمل في عام 2011، لم يتراجع بروس ديكنسون عن الطيران. بدلاً من ذلك، أطلق شركته الخاصة "كارديف أفييشن" في عام 2012. هذه الشركة كانت متخصصة في صيانة الطائرات وتدريب الطيارين، وهي تعد اليوم واحدة من الشركات الرائدة في هذا المجال. كما بدأت "كارديف أفييشن" بالتعاون مع شركات طيران مختلفة، مثل "إير جيبوتي"، حيث تولى ديكنسون بنفسه قيادة أول رحلة رسمية من كارديف إلى جيبوتي على متن طائرة بوينغ 737. هذه الرحلة كانت بمثابة بداية جديدة لشركته، التي استمرت في النمو والتوسع لتصبح جزءاً هاماً من صناعة الطيران.
في عام 2008، قرر بروس ديكنسون دمج شغفه بالطيران مع حياته الموسيقية بشكل غير تقليدي. قاد طائرة الفرقة "إد فورس وان"، وهي بوينغ 757 معدلة خصيصاً لجولات الفرقة الموسيقية. كانت الطائرة مجهزة لحمل المعدات والفريق إلى مختلف الوجهات خلال جولاتهم العالمية. في عام 2016، تمت ترقية الطائرة إلى بوينغ 747 الأكبر حجماً، واحتاج ديكنسون إلى تدريب إضافي ليتمكن من قيادتها. هذه الرحلات كانت أكثر من مجرد وسيلة نقل؛ لقد كانت جزءاً من العرض الفني للفرقة، حيث تم تصوير جولاتهم وتوثيق رحلاتهم الجوية في فيلم "آيرون ميدن: فلايت 666"، الذي عرض للعالم الجانب الآخر من حياة بروس ديكنسون كطيار محترف.
على الرغم من نجاحاته في الموسيقى والطيران، واجه بروس ديكنسون تحديات شخصية صعبة. في عام 2014، تم تشخيصه بسرطان الحنجرة. على الرغم من خطورة الوضع، واجه ديكنسون المرض بشجاعة وتلقى العلاج اللازم، حتى تم شفاؤه بالكامل في نهاية العام. ديكنسون كان دائماً يتمتع بنظرة إيجابية، حيث قارن تجربته مع السرطان بمواجهة أعطال الطائرات: "لا تفكر في الأسوأ إلا إذا حدث". خلال فترة العلاج، لم يتوقف عن التفكير في الطيران والموسيقى، واستمر في التركيز على ما يحبه.
رغم تقدمه في العمر، لا يزال بروس ديكنسون متمسكاً بشغفه بالطيران. بجانب الطائرات التجارية، يستمتع بقيادة الطائرات الكلاسيكية، مثل طائرة "فوكر" ثلاثية الأجنحة وطائرات الحرب العالمية الثانية. بروس ديكنسون يعتبر مثالاً حياً على القدرة على تحقيق النجاح في مجالات متعددة، وكيف يمكن لشغف الإنسان أن يقوده إلى تحقيق أحلامه، بغض النظر عن مدى صعوبة الطريق.
ختاماً، تظل رحلة بروس ديكنسون من نجم روك إلى طيار محترف مثالاً ملهمًا على أن الإنسان يمكنه أن يجمع بين شغفه وحياته العملية ليصنع شيئاً فريداً واستثنائياً. سواء كان على المسرح أو في السماء، فإن بروس ديكنسون يستمر في التحليق عالياً في كل ما يفعله.