هناك مطابخ تُحَب، ومطابخ تُعاش. والمطبخ الايطالي ينتمي للنوع الثاني تماماً. هو ليس مجرد أطباق لذيذة أو وصفات تنتقل عبر الكتب، بل أسلوب حياة مليء بالدفء، المشاركة، واحترام المكونات. لذلك، لم يكن مفاجئاً أن تعلن اليونسكو إدراجه ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي، في خطوة اعتبرها كثيرون تتويجاً لثقافة طعام أثرت العالم وأصبحت جزءاً من ذاكرتنا الجماعية.
هذا الاعتراف لا يمنح الشهرة لمطبخ يعرفه الجميع أصلاً، بل يمنحه ما يستحقه: مكان بين إنجازات البشرية التي تستحق الحفظ. اليونسكو لم تُكَرِّم طبقاً واحداً، بل كرمت روح المطبخ الايطالي: طاولة يجتمع حولها الناس، مكونات تُعامل باحترام، وصفات تُطبخ بيدين تجيدان الحرفة، وذاكرة ممتدة عبر الأجيال. هو تكريم لفكرة أن الطعام يمكن أن يكون لغة تجمع الناس، وتاريخاً يعيش في بيوت الناس، وليس مجرد متعة عابرة.
وراء القرار امرأة آمنت بأن المطبخ الايطالي يستحق أن يُحفظ مثل الفنون والمعالم التاريخية. مادالينا فوصّاتي رأت خلال فترة الجائحة كيف عاد الايطاليون إلى جذورهم عبر الطهي، وكيف أصبح الطعام وسيلة لربط العائلة وتعويض المسافات. ومن هنا بدأت رحلتها: خمس سنوات من العمل، الإقناع، وجمع الأدلة، إلى أن تم الإعلان الرسمي. لقد أثبتت أن الطهي ليس هواية، بل جزء من هوية شعب، ومن حقه أن يُخلَّد مثل أي تراث إنساني آخر.
دخول المطبخ الايطالي قائمة التراث الثقافي غير المادي خطوة تفتح الباب أمام مطابخ أخرى لتروي قصتها للعالم. كل مطبخ يحمل حكاية وهوية، من طقوس الطبخ إلى تجمع العائلة حول الطعام. الاعتراف يشجع الدول على حماية تقاليدها الغذائية من الاندثار، ويمنح الطهاة الحرفيين مكانة تستحق التقدير. إنه تذكير بأن الطعام ليس رفاهية، بل مرآة لثقافة الشعوب وطريقتها في فهم العالم.
المطبخ الايطالي نجح في تحويل لحظات الطعام اليومية إلى تراث عالمي. وربما هذا هو سر جماله الحقيقي: البساطة التي تصبح فناً، والمذاق الذي يصبح ذاكرة، والوصفة التي تصبح تاريخاً.